حدث ذات مرة في الصين
( 1 )
تثاقلت حركة السير في الشارع الرئيسي المؤدي الى المطار ... حتى توقفت تماماً ... فأنشغل سالم بالنظر الى المرآة المثبتة خلف مظلة السيارة وتأمل وجهه و قال لنفسه :
- لو كان الشعر أشقر ... و لون البشرة ابيض ... والعيون أجمل ... و الانف أصغر ... لاصبحت ( براد بت ) .
هكذا هو دائم التهكم على شكله الذي جانبته الوسامة الى حد بعيد ... و عموماً فهو دائم التهكم على كل شيئ و من أي شيئ ... أعاد مظلة السيارة الى وضعها الطبيعي و نظر الى سائق سيارة الاجرة التي كان يستقلها و سأله :
- ما سبب الزحام ؟
التفت السائق الى سالم و كأنه تذكر وجوده الأن قائلاً :
- لابد من وجودة شيئ ما .
رفع سالم حاجبيه الكثيفان و رفع صوته الاجش :
- الله أكبر ... لقد استفدت من اجابتك و سأخرج دفتر ملاحظاتي و أدونها كي لا أنسى سبب الازدحام ... وجود شيئ ما .
أحس السائق بغباء اجابته و انشغل بالنظر الى عدادات سيارته ... اما سالم ففتح حقيبته اليدوية التي كانت تحوي حاسبه الشخصي و دفتر ملاحظاته و بعض الادويه ... فأخرج منها دفتره و سحب القلم من طرف الدفتر و فتحه على صفحة معينة ... فنظر السائق بأمتعاض متصورا انه سيدون اجابته فعلاً ... لكن سالم فتح صفحة المصاريف و سجل المبلغ الذي سيدفعه للسائق ... و بدأ يقلب بصفحاته و يحفظ بعض خطوات السفر كما سمعها من اصدقاء له سافروا من قبل ... فهذه أول مرة يسافر في حياته و ستكون وجهته الى الصين .
وصل سالم الى المطار ... وحال دخوله الى الصالة الرئيسية توجه الى أحد الموضفين و سأله عن رحلته مخرجاً تذكرته الاولى ... نظر الموضف الى التذكرة بشيئ من الزهو قائلا :
- انتظر هنا ... لم ينادوا على رحلتك بعد ... عندما تسمع النداء ... تدخل من هنا .
وأشار بيده الى بوابة التفتيش الاولى ... جلس سالم على أحد الكراسي قرب البوابة ... و انتابته موجة قلق و وساوس و تساؤلات ... ماذا اذا لم يجد أحدا بأنتظاره في مطار الصين ؟ فهو لا يملك عناوين فنادق أو اسواق ... كل ما لديه رقم هاتف عقيل صاحب مكتب شحن في الصين ... ماذا لو اتصل به و كان هاتفه مغلقاً ؟ ... كيف سيتصل به أصلاً و هو لايملك شريحة هواتف الصين ؟ ... أحس بثقل أفكاره تطرق برأسه ... فتوجه بنظره الى السقف يدعو الله .
سمع نداء رحلته الاولى المتوجهة الى دبي ... فعلق حقيبته اليدويه على كتفه ... و سحب حقيبة ملابسه خلفه ... و وقف بصف طويل للتفتيش .
( 2 )
قبل شهر من ذلك اليوم ... كان سالم يجلس في محله الخاوي من البضاعة تقريبا ... يمد يده نحو المدفئة النفطيه و ينظر بشرود من خلال النافذه الى المطر الغزير ... دخل عليه صديقه المقرب نافع فأبتسم سالم و زالت معضم همومه و بادره قائلا :
- أهلا بصديقي العزيز ... تعال اجلس قرب المدفئة ... هل البرد سبب قدومك ؟
ضرب نافع وجهه صديقه بحنان ... و جلس قربه و مد يده رافعا غطاء ابريق الشاي الموضوع فوق المدفئة ... ثم قال :
- قبل كل شيئ اريد قدحا من هذا الشاي الساخن ... و بعدها أفكر ... هل أخبرك بالاخبار الجيدة ام اتركك تتحرق اليها ؟
قفز سالم نحو المنضدة الصغيرة التي تحمل عدة الشاي و سحبها بقربه و حضر قدحين من الشاي و دفع بأحدهما الى نافع قائلا :
- كنت أظن انك أتيت من اجل الدفء ... لم اكن أعلم انه الشاي .
- خذ جواز سفرك ... لقد حصلت لك على تأشيرة الصين ... و جمعت لك كافة المعلومات المهمة لرحلتك .
مد سالم يده قابضاً على جوازه الجديد ... و أخذ يقلب فيه ... و تلاشت ابتسامته و قال بصوت خافت و كأنه يحدث نفسه :
- نافع ... أنا خائف من الفشل ... و الخسارة ... و ....
قاطعه نافع بحزم :
- كلا ... سوف تنجح بأذن الله ... أنظر الى المحلات التي حولك جميعهم أصبحوا مستوردين و لكي اثبت لك وجهة نظري ... خذ .
فأخرج من جيبه ثلاثة رزم من الدولارات و مدها الى صديقه و تابع كلامه:
- هذه 30 الف دولار ... كمل بها ما معك ... و اذا خسرت فلا تردها ... و اذا ربحت فردها كما هي بلا أرباح .
قام سالم و طبع قبلة على طويلة على جبين صديقه و جلس بعد أن أخذ المبلغ ,,, و قال :
- أشكرك يا صديقي العزيز ... لكن السؤال الاهم ... هل هذه النقود مزوره ؟
ضحك الصديقان و بعد قدح ثان من الشاي أخرج نافع ورقة من جيبه و دفعها الى سالم قائلا :
- خذ هذه الورقة بها كل ما تحتاجه ... لقد اتصلت بعقيل ابن خالة زوجتي ... و شرحت له كل شيئ .. فرحب بك و سيكون بانتظارك في مطار الصين ... موجود في الورقة رقم هاتفه ... و خط سير الرحلة ... سوف نشتري تذكرتين ... الاولى من بغداد الى دبي و الثانية من دبي الى كوانزو ... ستبقى في مطار دبي قرابة الثمان ساعات .
انهمك سالم بقرأة الورقة ... و قال بتردد :
- كيف سأعرف رحلتي ؟ و كيف ...
- اقرأ هذين السطرين ... تصل الرحلة الاولى الى مطار دبي المبنى الثاني تذهب الى قسم مواصلة الرحلات سيحولك الى المبنى الاول ... تسأل الاستعلامات عن مكان قطع بطاقة الصعود الى الطائرة الخاصة بالخطوط الكينية .
طوى سالم الورقة بعناية و وضعها في جيبه ... وقال :
- وصيتي لك ... زوجتي ام محمد و أولادي محمد و سعاد .
- لا تقلك .. ستكون زوجتي عندهم كل يوم ... هيا بنا ... لنذهب الى المطعم ... الحساب عليك طبعا .
قلب سالم شفته السفلى قائلا :
- تعطني المال باليمين ... و تأخذه طعاما باليمين ... سأدفع الحساب و تبقى لك عندي 25 الف دولار .
( 3 )
بعد انهاء اجراءات التفتيش الكثيرة و بعد ختم جوازه دخل سالم الى القاعة الداخلية للمطار ... و أحس بحاجته الى الاختلاء بنفسه فوجد غرفة زجاجية كبيرة كثيرة المقاعد الجلدية و خالية من المسافرين ... جلس على أحد مقاعدها ... يتمتم بالدعاء كلما ساورته هواجس القلق ... و ما زالت الوساوس تطرق برأسه ... ماذا سيفعل لو لم يرد عقيل ؟ ... و انتبه الى صوت ضاحك ينادي :
- أبو سالم ... ما هذه الصدفة العجيبة ؟
رفع سالم رأسه نحو صاحب هذا الصوت المألوف ... و فعلا وجد جاره في السوق صالح ... فأنتابته مشاعر متناقضة من الشك و الفرحة ... فوقف مرحبا بصالح الذي بادره قائلا :
- يا رجل تسافر بدون علم احد ... أعلم انك تخاف من الحسد ... لقد عرفت بالصدفة ... عندما رأيت صديقك ابو نافع ... و قال لي انك ستذهب الى الصين .
هكذا هو صالح يسبق جميع الاسماء بكلمة (( أبو )) ... كثير الكلام و بادق التفاصيل ... حتى أطلق عليه في السوق ( صالح حكاية ) ... هنا استطاع سالم اخذ مبادرة الكلام:
- أهلا أبو صالح ... أبو صالح لقد سبق لك الذهاب الى الصين ... هل تستطيع أن ترشدني ؟
- انا صالح ... و ليس أبو صالح ...
- تعني حلال عليك و حرام علينا ...هيا ... أخبرني بما تعرفه ... خطوط عريضة ...
التفت صالح حوله و كأن ما سيقوله من اسرار الدولة ... و قال :
- من سيستقبلك قي المطار ؟ هل هو شخص موثوق به ؟ ... هل لديك عناوين ؟ هل لديك نقود صينية ؟ هل حولت نقودك الى الصين ؟ هل لديك شريحة هاتف ؟...
ازدادت ضربات قلب سالم و هو يسمع هذا السيل من الاسئلة المهمة ... و التي تطابق الى حد كبير مخاوفه و هواجسه ... و قال باستسلام :
- لا أدري ان كان موثوقا به ام لا ... لكني حولت المبلغ له ... و أخذت معي مبلغ من الدولارات لكن ... لااملك عناوين أو نقود صينية أو شريحة .
ابتسم صالح و بدأ يبحث بحقيبته الصغيرة المعلقة بحزام بنطاله ... و أخرج ثلاث ورقات نقدية حمراء كتب على كل منها رقم 100 و دفعها الى سالم ...الذي أخذها منه بأستغراب ... و هم بسؤال صالح الا انه سبقه بأعطائه شريحة هاتف ... و كارت ابيض كتب عليه بالانجليزية و الصينية ...و قال صالح :
- هذه شريحة الصين ... أعتقد بها رصيد ... و هذه 300 ايوان أو ما يسمى رممبي و هذا عنوان فندق كوان جو قريب من المطاعم الاسلامية ... لو كنت مسافرا الى الصين لما احتجت لشيئ ... لكني ذاهب الى دبي لتجديد اقامتي بها ... هناك مطعم تركي اسمه البسبور اكله ممتاز افضل مطعم بكوانزو ... يعمل اكلات شرقية و غربية ....
- لحظة واحدة ... قبل الاكل ... اذا اتصلت بعقيل و لم يرد ... ماذا أفعل ؟
- عندما لا يرد ابو عقيل ... اخرج خارج المطار ستجد على يسارك خط طويل من سيارات الاجرة انتظر دورك و اعطي السائق كارت الفندق ... و يوجد قرب المطاعم العربية مسلمين صينيين يشترون الدولار و يبيعون شرائح هواتف و يقمون بتعبئة الهواتف ... و في اليوم التالي اذا اردت الذهاب للسوق ... قل لسائق الاجرة( نان فانتاشا ) .
ردد سالم هذه الكلمة لكي لا ينساها و قال :
- ماذا تعني نان فانتاشا ؟ هل هي السلام عليكم مثلا ؟
ضحك صالح ... حتى سمع صدى ضحكاته في المكان وقال :
- كلا ... السلام عليكم بالصيني ( ني هاو ) اما نان فانتاشا فهو اسم سوق الالكترونيات و فيه الكثير من محلات ملحقات أجهزة الهواتف النقالة ...
أخرج سالم دفتر ملاحظاته و دون كلام الرجل ...و سمع صوت المذيعة الداخلية تنادي على الرحلة استعدادا للسفر الى دبي .
قريبا الجزء 4 و 5 و 6
الثلاثاء فبراير 16, 2010 7:12 am